السبت، 14 فبراير 2015

معلم سنة أولى



إن أجمل المشاعر التي يمكن أن يعيشها الإنسان هي أن يجد التقدير والمحبة لدى زملاء المهنة والمهتمين، وكتابتي لهذه المقالة البسيطة جعلتني أعود لبدايات حياتي المهنية كمعلم لمادة العلوم العامة والفيزياء في دولة الكويت قبل حوالي 27 عاماً، وأتذكر تماماً كيف كانت مشاعر الرهبة والخوف تتملكني عند دخولي للمدرسة كمعلم في يومي الأول، وكيف كنت أنظر للمعلمين الأكبر مني سناً بكل إحترام بدافع التعلّم حرصاً مني أن أكون مميزاً في عملي الجديد، ولكن كان افتقاري للخبرة هو مصدر القلق الأول الذي يسيطر على إنفعالاتي، وأتذكر كيف كنت أحاول أن أتقمص شخصيات معلمين خبراء كنت قد تتلمذت على أيديهم عندما كنت طالباً بالمدرسة وأحاول تقليدهم بحرص شديد تسبب لي بمواقف محرجة كثيرة، وكيف كنت أراقب زملائي المعلمين كيف يتحدثون مع بعضهم البعض أو مع طلبتهم عندما يستأذنون بالدخول لغرفة المعلمين لتوجيه أسئلة حول مواضيع مرت عليهم في دروسهم وحصصهم اليومية تدفعهم رغبة التعلّم لأكثر مما حصلوا عليه، أو مراقبة زميلي عندما يقوم بالدخول إلى أحد الصفوف وكيف يتعامل معه الطلبة وهو يقوم بإدارة الصف بطريقة تبدو سلسة وسهلة جداً، لكن عندما كنت أحاول أن أقلدهم يحدث دوماُ شيئاً ما يجبرني على التعامل مع الموقف بطريقة لم أخطط لها أبداً، وتعلمت بسرعة أن أجهز نفسي دائماً بسيناريوهات مختلفة لسير الحصة وخطط بديلة.

أسوأ نظرية كنت قد إتبعتها في بداية عملي هي أنني كنت أتعمد أن لا أبتسم أبداً لهم وخاصة في الشهر الأول، علماً أنني كنت أصمم خططي الدراسية بشكل يومي، ووضعت قواعدي الصفية وأظهرت لهم جديتي في التعامل مع المخالفين، بل وحاولت أن أطبق كل ما كنت أسمعه من زملائي من نظريات أو أساليب تعليمية، ولكن لم يكن كل ذلك يعطي أي نتيجة ... إلا الإحباط والكآبة لي ولطلابي!، وأقنعت نفسي ذلك اليوم أن المسألة تحتاج للوقت لأتعود عليهم أو أن يتعودوا علّي، أو قد يكون السبب أنهم ليسوا أذكياء بالقدر الكافي ليفهموا الفيزياء.

أتذكر أنني لم أكن أواجه مشكلة في مادتي العلمية، فقد كنت أسهر ليلاً لأخطط لكل ما يمكن أن يساعد طلبتي في أن يتعلموا بمتعة كما كنت أفعل، كنت أرغب فعلاً ومؤمناً حقاً بأنني يمكنني أن أحدث فرقاً في حياة طلابي، ولكنني كنت أصطدم بأنهم لم يستوعبوا بسرعة ما كنت أعده لهم من أنشطة، حتى أشفق عليّ أستاذي الغالي أطال الله في عمره الأستاذ جبر أبو شمّالة وقد أصبح موجهاً تربوياً في تلك الفترة ليأخذني تحت رعايته ويرشدني كيف يجب أن أشعر الطلبة بذكائهم وأتعامل معهم بناءاً على أنماط وأنواع الذكاء الذين يمتلكونه، وكيف يجب أن أعرف كيف يمكنني أن أدمج الطلبة في أنشطة يحبون القيام بها كالتعلّم باللعب وبحيث أضمن في نهاية اليوم أنهم يحزنون عندما يقرع الجرس معلناً نهاية الحصة، ويطالبونني بالمزيد، وأعدهم بالمزيد في الحصص القادمة.

كنت أعلم أنهم يشعرون بمحبتي لهم، وكنت أعلم بمحبتهم لي، ولكنني كنت متيقناً بأنهم أصبحوا يحبون الفيزياء التي كانوا يمقتون حتى سماع إسمها أو حتى رؤية كتابها، عندئذ كنت متيقناً بأنني أمتلك تلك الموهبة، موهبة أن أصبح معلماً مميزاً، وكنت أشعر بذلك فعلاً، حتى بين زملائي المعلمين الآخرين وكيف ينظرون لي بإعجاب في كيفية وقوفي على قدمي بسرعة لم يكونوا يتوقعونها، فقد كنت أحب عملي وأعشق مهنة التعليم، ولكن اليوم يجب أن أعترف بأن تلك الفترة لم تكن سهلة أبداً كما يمكن أن تعتقدوا من خلال قرائتكم للمقالة، بل كانت مليئة بالسهر والتعب والجهد المضني والكثير الكثير من الفشل الذي تلاه هذه النجاحات التي تفضّل الله بأن أنعمها عليّ.

نعم لقد تعلمت بالطريقة الصعبة، ومرت أيام كنت أنتهي من الدرس وأنا أشعر بالإحباط، لست أنا فقط، بل وطلبتي أيضاً، كنت أضع سقوفاً عالية لما أريد أن يحققه الطلبة، وأتجاهل كل ظروف حياتهم التي تتحكم بكيف ولماذا يتعلمون، ولكنني كنت دوماً مثابراً وأرفض الإستسلام لليأس أو التخلي عن طلبتي وأهدافهم في الحياة، وهو من أهم الدروس التي تعلمتها في حياتي المهنية أن أشجع طلبتي على بناء أحلامهم وطموحاتهم لزرع الرغبة والدافعية في أنفسهم ليحققوا ما يرغبون به ويستطيعوا أن يغيروا حياتهم، عندئذٍ أستطيع يقيناً أن أزعم أنني قد أحدثت فرقاً في حياتهم.

وأخيراً أجد نفسي سعيدأ بمشاركتكم ببعض المبادئ التي يجب علينا كمعلمين أن نتعامل مع طلبتنا بناءاً عليها ونضع لها الأولوية قبل اختيارنا لأساليب أو استراتيجيات تعليم تبدو مجردة وجوفاء إن أهملناها، وهي:
1.    يجب أن ننتبه لما يمتلكه طلبتنا من معرفة في البداية، وأن نبدأ معهم من حيث هم لا من حيث يجب أن يكونوا.
2.    يجب أن نحرص أن يمتلك طلبتنا هدفاً يرغبون بالوصول له وأن نساعدهم للوصول لأهدافهم، ولا نركز على أهدافنا.
3.    يجب دائماً أن نقدم كل الدعم والمساندة لطلبتنا طوال عملية التعلّم سواءاً من حيث الأبعاد النفس إجتماعية أو من حيث المعارف والمهارات.
4.    يجب أن نساعد طلبتنا على الاستفادة من التغذية الراجعة باستمرار وأن لا نبخل عليهم بها في كل وقت.
5.    التركيز على الجودة والنوعية في التعليم وليس على كّم التعلّم.
6.    الحرص على أن يشعر الطلبة بأنهم يتعلمون بجهودهم وليس بجهود معلمهم، فاحرص زميلي المعلم أن لا تتعب أكثر من طلبتك.
أرجو أن أكون قد قدمت لكم بمقالتي هذه بعض المعرفة التي يمكنها أن تفيدنا جميعاً وتساعدنا في القيام بمهامنا كمعلمين بأفضل طريقة مناسبة، وإلى اللقاء في مقالة أخرى إن شاء الله.

هناك 8 تعليقات:

  1. شكرا جزيلا استاذ باسم على هذا المقال الرائع و ان شاء الله نستفيد من ملاحظاتكم و تطبيقها في حياتنا العملية .

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً لك أستاذ عصام ... أنت معلم مميز دائماً .. ربي يحميك

      حذف
  2. بارك الله فيكم أ. باسم وجزاك الله كل الخير.

    ردحذف
  3. استاذنا وقدوتنا ومدربنا الرائع باسم غازي ,لقد استمتعت كثيراً بقراءة مقالتك الملهمة والمحفزة لكل معلم راغب في التميز.فالف شكراً لمشاركتنا خلاصة تجربتك التعليمية .

    ردحذف
    الردود
    1. هي مجرد خربشات ... محاولة !
      يسرني أنك وجدتها مفيدة ... شكرا لك أستاذة سعيدة

      حذف
  4. استاذنا ومدربنا الفاضل : باسم غازي
    شكرا لمشاركتك لنا مقالتك الرائعة والتي تعلمت منها عنك الكثير
    فقد تعلمت أن للنجاح قيمة و معنى ...ومنك تعلمت الإخلاص في العمل ...وأن المستحيل لا مكان له في سبيل الإبداع والرقي
    تعلمت من روحك المرحة ...وصفاء قلبك ...وعطاؤك القيّم أن من الجميل أن يضع الإنسان هدفا في حياته ...ولكن الأجمل أن يثمر هذا الهدف طموحا مثل طموحك
    هذه عباراتي ولك مني تحياتي

    ردحذف
    الردود
    1. الله يكرمك ويحفظك وما يحرمنا إياكم أستاذتنا ... وأنا دائماً أتعلم منك ويشرفني وجودك أختاً ومعلمة

      كل التقدير والاحترام لك

      حذف