الثلاثاء، 31 مايو 2011

النافذة

تطالبني دوماً بأن أعمل على توسعة النافذة، بحجة أنها لا تستطيع أن ترى البحر بلونه الأزرق، ولا تستطيع احتضان امواج البحر والاحساس بقوته، ولا تستطيع أن تسير على رماله وتعبث بأصابعها بشعرها وتنثره على شواطئه، وعبثاً أحاول اقناعها بأن النافذة واسعة وكبيرة، ولكنها تخبرني بأنها لا ترى منها ما تريد والسبب أنها ضيقة وتكتم الأنفاس، أجيبها وأنا أخرج من البيت "لا عليك، سأرى ما يمكنني فعله عندما أعود".

أتوجه بالسيارة للعمل وأفكر، ما العمل؟ وأحاول أن أتخيل كيف يمكن أن أعمل على توسعة النافذة وهي كبيرة جداً بشكلها الحالي؟! وأنتبه مفزعاً على أبواق السيارات تصيح في وجهي "انتبه لقيادتك"، ويتجاوزني أحد السائقين ولا أستطيع أن أميز ما يقول من هول غضبه، وتهيأ لي بأنه يشتمني بكل لغات الأرض، وأشير له مبتسماً بالإعتذار، ويهز رأسه ويعض شفتيه ويرفع يده ملوحاً وينطلق مسرعاً، وأكمل طريقي إلى العمل.

عدت في المساء لأجد العشاء كالعادة رائعاً، وجلسنا جميعاً على سفرة الطعام والجميع يتبادل الأحاديث والنكات حول أحداث اليوم، إلا أنا بقيت صامتاً أتناول طعامي في صمت خوفاً من أن أقع في مصيدة النافذة مرة أخرى، ومتحاشياً حتى للنظر لها، وكلما أسترق النظر نحوها بطرف عيني أجدها تنظر لي بابتسام وهدوء، وعند انتهائي من الطعام بقيت جالساً مكاني، وبدأ الأولاد ينسحبون لغرفهم واحداً تلو الآخر، ولم يبق إلا أنا وهي.

بدأت أفكر وأعمل بعقلي مستجمعاً كل خبراتي بالحياة حول السبيل اللازم لاقناعها بالعدول عن فكرة توسعة النافذة، وباغتتني بالحديث وسألتني مبتسمة، كيف كان يومك؟ فعلمت أنها ستبدأ مرة أخرى بنفس موضوع النافذة، ولكني أجبتها بأن الامور كانت ممتازة بالعمل، وحتى خضت بتفاصيل كانت تعتبرها مملة، راجياً أن تهرب من الحديث، ولكنها استمرت جالسة تستمع لي بكل هدوء وسكينة حتى انتهيت.

وأضفت "وأنت كيف كان يومك؟"، وشعرت بالحنق على نفسي والغضب يملء قلبي على حماقتي بتوجيه مثل هذه السؤال لانه ببساطة يعني أنني وقعت بالفخ الذي كنت أتحاشى الوقوع فيه منذ عودتي من العمل، ولكنها بكل هدوء أجابتني بالتفصيل الممل عن يومها منذ لحظة تركي لها بالصباح، وأردفت قائلةً "اشتقت لك، اشتقت لإحتضان أمواج عاطفتك، والسير على رمال شاطئ حياتك أراقب طيور النورس وهي تطير حولك، وأن ألتقط أصدافك لأضعها على أذني لأسمع أجمل وأعذب ألحاني"، فقلت لها "ترينني بحر حياتك" فقالت بسرعة بديهة "لكنك تضيق نافذتي للوصول للبحر، فقلبك هو نافذتي، وسع قلبك تتوسع نافذتي"، وهكذا كان.

في صباح اليوم التالي، وأنا أغادر للعمل سألتها "هل تحتاجين شيئاً؟" قالت لا تنس أن تبقي النافذة واسعة.

الثلاثاء، 24 مايو 2011

وجهة نظر بين الزوجين

أول ما يلفت نظره لها هو أخلاقها، وأول ما يلفت نظرها له هو عينيه.

يريدها ملكةً بجواره، وتريده عبداً لها.

يطمح دوماً لاكتساب قلبها، وتطمح دوماً لحسابه البنكي.

يحب أمها ويكرم أهلها، وتكره أمه وتتعمد البخل مع أهله.

يرى ببناته أجمل ما بها، وترى بأولاده كل عيوبه.

يسايرها بآراءها، وتعانده بآراءه.

هذه تبقى وجهة نظر تختلف باختلاف الزوجين، ووكذلك في بعض النقاط والجوانب التي لم تذكر، أسأل الله أن نرى عيوبنا ونصلحها قبل أن يراها غيرنا.

الأربعاء، 18 مايو 2011

أعذار واهية

نواجه في الحياة الكثير من المواقف مع بعض الأشخاص الذين يتسببون بإثارتنا بسلبيتهم أو لامبالاتهم، ومما يصيبني بالاحباط هو أعذارهم التي توصف بالغير عقلانية على الرغم من أنهم يكونون مثقفين وواعين والكثير منهم يحملون شهادات جامعية وبمعدلات عالية، لذلك لا نستطيع بأي حالٍ من الأحوال أن نتهمهم بالغباء لا سمح الله.

المصيبة أن مواقفهم مكشوفة للجميع ولا يبذلون أي جهد لتغيير مواقفهم، فنجد موظفة تتعلل دوماً بأنها نسيت أن تنفذ هذه المهمة علماً بأنها مهمة روتينية يومية، ومعلم يجلس مع طلابه ليتبادل معهم النغمات والصور على الموبايل وعندما تسأله يقول لك أن هذا أمر عادي والجميع يقوم به، وطالب أو طالبة جامعية يتهربون من حضور المحاضرات بحجة أنها مملة، وشخص يستغل انجازات موظفيه للحصول على ترقيات وعلاوات اضافية متعللاً بأنه العقل المدبر لهم وبدونه سيفشلون، وغيرهم كثير من هذه القصص التي يمتلك كلنا أمثلة لا حصر لها عنها.

أكثر ما يغيظ أن هذا الشخص يعتبر أن كل ما لا يتعلق به أو بشخصه غير مهم ولا قيمة له، وأنه يعرف أنه مقصر في عمله أو دراسته أو بواجباته الاجتماعية ولكنه ببساطة لا يهتم، فهو أناني جداً وتجد أنه يتعرض دوماً للإنتقاد من الآخرين، لكن كما يقول الشاعر:

إنك أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي


لهذه الاصناف أقول، أعذاركم واهية وأنانيتكم ستتسبب بفشلكم.

الجمعة، 13 مايو 2011

صديقي هشام فاخوري

درست مع صديقي هشام منذ المرحلة الإعدادية بنفس المدرسة، وكانت علاقتنا عادية مثل العلاقات العادية التي تمر بين الطلاب، وتوطدت أكثر مع دراستنا الجامعية، حيث تصادف أن درسنا بنفس الجامعة، وتشاركنا بنفس السكن في نهاية الدراسة، بل ونفس الغرفة.

كنا نعرف بعضنا البعض، وذكرياتنا متشابهة، ونضحك معاً، ونأكل معاً، ونتشارك في كل شيء، حتى بعد تخرجنا لم نبتعد عن بعضنا، بل استمرت العلاقة وكأنها أزلية ولن تزول، ولا أنسى له أفضالاً عليّ، ووقفته معي ومع غيري في الكثير من المواقف التي تعكس مدى عمق صداقتنا ومحبتنا، وتسير الأيام وتباعد بيننا مشاغل الحياة أكثر وأكثر وأكثر....

في الصيف الماضي، اتصل بي بعد شهر رمضان، وكان في غاية الفرح والسعادة، وعاتبني على الابتعاد، طبعاً تعذرت بالمشاغل الكثيرة، وقال لي أن كل ذلك لا يهم، فعلاقتنا أكبر من ذلك، وأنه يجب أن نلتقي فقط للتواصل وتأكيد الصداقة، ورحبت طبعاً بالفكرة، وسألته متى يستطيع التفرغ، فقال اصبر علي بس كم يوم، لأني مشغول، فقلت ولا يهمك، خذ راحتك، وعندما تجد نفسك متفرغاً فقط أخبرني وسأحضر لك بأي وقت، وانتهت المكالمة على هذا الاتفاق.

أخذت بتأنيب نفسي على أن أسمح للحياة بأن تأخذني وتبعدني عن صديقي، ونويت أن ألتقيه بأي وقت عندما يتصل بي مهما كانت ظروفي، وكالعادة مرت الايام ودخل موسم الحج، ولم يتصل بي هشام، وكنت سأتصل به لأخبره بسفري للحج ولكن قلت لا، لا أريد أن أضغط عليه فبالتأكيد لديه ظروفه، وستكون مفاجأة له أن أذهب لزيارته بعد عودتي من الحج، وهذا ما حدث.

عند عودتي من الحج تذكرته طبعاً، ولكني كنت مضطراً للسفر لليمن لورشة عمل مهمة مدتها اسبوع، وقلت عندما أعود سأخابره، وذلك أمر ضروري ونهائي، وعند عودتي بعد اسبوع، وكان الوقت ليلاً، استقبلني بالمطار أخي الحبيب حاتم، وكعادته كان مرحاً ضاحكاً وسعيداً، وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث ثم ليخبرني بأنه يحمل لي خبراً سيئاً وأنني يجب أن أحتسب عند الله صديقي هشام، فقد قضى بنوبة قلبية قبل يوم من وصولي، يا الله، كم كان الخبر صاعقاً، ولكني تمالكت نفسي وتمتمت بعبارات الدعاء بالرحمة والمغفرة له، والصبر لوالديه.

توجهت بصباح اليوم التالي إلى بيت العزاء، واستقبلني والده بكل حنان وحزن ومودة، وارتمى يعانقني ويبكي بحرقة مختفياً داخل صدري، ولم أتمالك نفسي أبداً، وكذلك اخوته، لا حول ولا قوة الا بالله، كان موقفاً عصيباً جداً، علينا جميعاً، وجلست بجانب والده، والذي استمر يسترق النظر لي باستمرار، ويتكلم معي ويسمعني أحدثه عن هشام، ودموعه تترقرق بعينيه، ووعدته أنني يجب أن أعود لزيارته، فأخبرني أنه يحب ذلك، وأنه يجب علي أن أخبر بقية الاصدقاء وأن أحضرهم له ليراهم، ووعدته خيراً.

رحمك الله يا هشام، وأرجو أن يغفر الله له ويسكنه الجنة.

هاهي تمر 5 شهور، يجب أن أذهب لزيارة والد هشام ولن أسمح لمشاغل الحياة عن منعي لتحقيق هذا الأمر البسيط، الله المستعان.

السبت، 7 مايو 2011

أبنائي، أحبكم

الحمدلله أن رزقني بأبناء طيبين ومحبين، لقد من الله علي بالفضل أن رزقني ثلاث أولاد وإبنة واحدة، وأتذكر اليوم أن زوجتي تميزت بهواية ايقاظي وتنبيهي لولادتهم جميعاً بعد الساعة الثانية فجراً، وأضحك اليوم كثيراً على نفسي يوم أن رزقت بابني البكر "محمد" فعندما قمت بحمله وأردت مناداته قلت له، "عمو، حبيبي .....!" بلعت ريقي محرجاً جداً من نفسي، فلم يسمعني الا زوجي وأمي والحمدلله، لقد قلتها بتلقائية، لا أدري ان كان الجميع قد مر بهذا الموقف أم لا، ولكنه كان شعوراً جميلاً أن أصبحت أباً، وشعرت فوراً بالمسؤولية.

دوماً كانت تسعدني شقاوته، وأتذكر أول كلمة قالها، كان دوماً يقول "لمي"، لا تسألوني مامعناها، فكل شيء بالنسبة له كان اسمه "لمي"، وكان متعلقاً بوالدي رحمه الله، وكان يرافقه لكل مكان، فهو حفيده الأول، واليوم عندما أتذكر عندما بلغ أكثر من السنتين من العمر وأصبح له أخ أصغر منه، اسمه "أحمد"، كيف أنه من شدة غيرته قام بقلب عربة المشي الخاصة به فوق رأسه، وهرعت راكضاً لأنقذ الصغير منه، يا الله كم أضحك على ذلك الموقف حتى هذا اليوم، وببراءة يقول يريد أن يصلح العربة، ويريد أن يفهمني أنها تالفة.

أما أحمد فقد كان دائم القلق علي، ويخاف علي حتى من أمه، ولا يرضى أن ينام الا في حضني، وهو الأهدأ بين أطفالي جميعاً، الله يحميهم، ودوماً مطيع وهادئ الطباع ويسمع أكثر مما يتكلم، ولا يتردد بالاجابة بكل صراحة ولا يهمه الا أن يكون دوماً صادقاً حتى لو كانت العواقب التي تنتظره وخيمة، أذكر أنني ضربته بشدة وقسوة الوحوش وقلبي يتقطع عليه بسبب اختفائه عني لمدة أكثر من ساعة، ولكنه بقي صامتاً متماسكاً أمامي، مما زاد في ألمي وغضبي، ولكني كنت أعرف يقيناً أنني أحبه، وأنه يحبني، لم أندم بحياتي على شيء، قدر ندمي على قسوتي عليه في ذلك اليوم.

أما "محمود"، فحدث ولا حرج، فهو سياسي محنك من الطراز الأول، ومع أنه أصغرهم، والجميع يتعرض له، لكن لا أخاف عليه بقدر شفقتي على اخوته من مقالبه التي لا تنتهي، وهو ذو سرعة بديهة وفراسة تجعلني أدهش أحياناً من أنه يستطيع الافلات من أي موقف يتعرض له، وله دموع يستعطف بها يمكنه استخدامها بكل قسوة، وكلمات واجابات تجعلك تضحك غصباً، ويتغير الموضوع والحق له في لحظات، كثيراً ما تستنجد أمه بي من ملاحقاته وكثرة طلباته.

وكذلك لن أنسى ابني الخامس، وهو بالحقيقة ابن أخي وزوجتي خالته، وقد أرسله والداه من اسبانيا حيث يعيشون ليبقى معنا، اسمه "عبدالرحمن"، شاب جيد وممتاز، ولكنه لا يدري ماذا يفعل بمستقبله، لا يريد أن يتعلم، ولا يواظب بعمل ما، ومشكلته فقط أنه لم يقرر ماذا يفعل. الله يهديه.

أما آخر العنقود "سوسن"، فلها مقالة أخرى خاصة بها، فهي الأثيرة على قلوبنا وعقولنا.

ماذا أقول، العيال تكبر وتكبر وتكبر، أسأل الله أن يحفظهم ويحميهم ويجعلهم من الأبناء الأبرار بوالديهم، وأن ييسر لهم أمور دينهم ودنياهم، وجميع أبنائكم وأبناء المسلمين، اللهم آمين يا رب العالمين، وأختم بهذه الأبيات لأحد الشعراء:

وَلَدِيَ وَأَنْتَ عَلَىَ الْزَّمَانِ لِيَ الْسَّرَّاجِ الْنِّيْرَ
أَرْعَاكَ بِالْعَيْنِ الَّتِيْ بِكَ تَسْتَنِيْرُ وَ تُبْصِرُ
وَ أَقِيَكَ عَادِيّةً الْأَذَى مِمَّا تَخَافُ وَ تَحْذَرَ
لَكَ مِنَ حَنَانِيَّ مَا يَضِيْقُ الْوَصْفِ عَنْهُ وَ يُقَصِّرُ
وَ بِكَ الْمُنَى صَافَحْتُهَا وَ بَلَغَتِ مَا أَتَصَوَّرُ
وَلَدَيَّ وَ هَلْ شَيْءٌ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْكَ وَ أَكْثَرَ
يَصْفُوْ الْزَّمَانِ إِذَا ابْتَسَمَتْ بِنَاظِرِيْ وَيُثْمِرُ
وَ إِذَا شَكَوْتَ فَكُلُّ مَا حَوْلِيَّ جَدِيْبُ مُقْفِرٍ
تَحَّلَوْ الْسَّمَاءِ بِبَدْرِهِا لِلْنَّاظِرِيْنَ وَ تَسْحَرُ
وَلَأَنْتَ مِنْ بَدْرٍ الْدُّجَىْ أَبْهَىْ وَ عِنْدِيْ أَنْوَرُ